معهد الخوئي | Al-Khoei Institute

معهد الخوئي | Al-Khoei Institute
  • الإمام الخوئي
  • المكتبة المرئية
  • المكتبة الصوتية
  • المكتبة
  • الاستفتاءات

البحث الكلامي عند السيد الخوئي

الدكتور الشيخ كريم شاتي
  • ٨٦٣٩
  •  

البحث الكلامي عند السيد الخوئي


نقد الكلام النفسي عند الاشاعرة


انموذجاً


 


الدكتور الشيخ كريم شاتي


جامعة الكوفة- كلية الفقه


تناول الخوئي (قدس) في بحثه الأصولي مجموعة من النقود على مجموعة من المسائل العقيدية التي لها أهمية كبيرة، وتشغل مساحات واسعة في البحث الكلامي الاسلامي، ومن هذه المسائل: نقد الإرادة عند الفلاسفة، والجبر عند الاشاعرة، والتفويض عند المعتزلة، والكلام النفس عند الاشاعرة الذي هو موضوع بحثنا هذا.


لمسألة الكلام الالهي موقعية خاصة في البحث العقيدي حيث انها تعد من اشهر المسائل العقيدية التي ثار حولها الخلاف بين المسلمين، واحتدم الصراع الى حد الاضطهاد وسفك الدماء بين المعتزلة والحنابلة في زمن المأمون العباسي، وبالخصوص حول مشكلة هل القرآن مخلوق أم غير مخلوق؟ وهل كلام الله حديث أم قديم؟ وهل كلام الله من الصفات الذاتية أم الفعلية؟


ولذلك يذهب بعض() الباحثين الى ان هذا العلم – اصول الدين – سمي بعلم الكلام لهذه المناسبة وهي من باب تسمية الكل بأسم الجزء.


وبعد ذلك ظهرت نظرية اخرى حول الكلام على يد ابي الحسن الاشعري (ت 324هـ) الذي حاول التوفيق بين آراء احمد بن حنبل (ت 241هـ) من جهة والفعل من جهة اخرى مستخدماً الادلة العقلية والنقلية في اثبات نظريته المعروفة بالكلام النفسي حيث انه ذهب ان لله كلامين حقيقي ومجازي، لفظي ونفسي، قديم وحادث، فالحقيقي والقديم هو الكلام النفسي القائم بالذات الالهية، والمجازي الحادث هو الكلام اللفظي الذي هو الحروف والاصوات.


ان مقولة الكلام النفسي لم تكن من ابتكارات ابي الحسن الاشعري، فقد سبقه في ذلك المتكلم عبدالله بن سعيد() الكلاب (ت 240هـ)  من الجمهور، حيث وردت الاشارة الى هذا المصطلح في كلماته().


عرض نظرية الكلام


عرض السيد الخوئي نظرية الكلام النفسي من مصادرها(). حيث قال: ذهبت الاشاعرة الى أن كلامه تعالى من الصفات الذاتية العليا، وهو قائم بذاته الواجبة، قديم كبقية صفاته العليا، من العلم، والقدرة، والحياة، وليس من صفاته الفعلية كالخلق والرزق والرحمة وما شاكلها، ولأجل ذلك قد اضطروا الى الالتزام بأن كلامه تعالى نفسي، ما وراء الكلام اللفظي، وهو قديم قائم بذاته تعالى، فان الكلام اللفظي حادث فلا يعقل قدمه، وقد صرحوا به في ضمن محاولتهم واستدلالهم على الكلام النفسي واليك نص مقولتهم:


( وهذا الذي قالته المعتزلة لا ننكره نحن بل نقوله ونسميه كلاماً لفظياً ونعترف بحدوثه وعدم قيامه بذاته تعالى، ولكنا نثبت امراً وراء ذلك، وهو المعنى القائم بالنفس الذي يعبر عنه بالالفاظ، ونقول هو الكلام حقيقة، وهو قديم قائم بذاته تعالى، ونزعم انه غير العبارات، اذ قد تختلف العبارات بالازمنة والامكنة والاقوام ولا يختلف ذلك المعنى النفسي، بل نقول ليس ينحصر الدلالة عليه في الالفاظ، اذ قد يدل عليه بالاشارة والكتابة، كما يدل عليه بالعبارة والطلب الذي هو معنى قائم بالنفس واحد لا يتغير مع تغير العبارات، ولا يختلف باختلاف الدلالات وغير المتغير أي ما ليس متغيراً وهو المعنى مغائر للمتغير الذي هو العبارات، ونزعم انه أي المعنى النفسي الذي هو الخبر غير العلم اذ قد يخبر الرجل عما لا يعلمه، بل يعلم خلافة او يشك فيه وان المعنى النفسي الذي هو الامر غير الارادة، لانه يأمر الرجل بما لا يريده كالمختبر لعبده هل يطيعه أم لا؟ فأن مقصوده مجرد الاختبار دون الأتيان بالمأمور به وكالمعتذر من ضرب عبده بعصيانه، فانه قد يأمره وهو يريد ان لايفعل المأمور به، ليظهر عذره عند من يلومه، واعترض عليه بان الموجود في هاتين الصورتين صيغة الأمر، لا حقيقته، إذ لا طلب فيهما أصلاً، كما لا إرادة، قائمة بالنفس، ثم نزعم انه قديم لامتناع قيام الحوادث بذاته تعالى())().


ثم قام السيد الخوئي بتقرير هذه النظرية بخطوات عدة لمناقشتها ونقدها بشكل دقيق وهي كالآتي:


1- ان لله تعالى سنخين من الكلام: النفسي واللفظي، والاول من صفاته تعالى وهو قديم قائم بذاته الواجبة دون الثاني.


2- ان الكلام النفسي عبارة عن المعنى القائم بالنفس ويبرزه في الخارج بالالفاظ والعبارات بشتى الوانها واشكالها ولا يختلف ذلك المعنى باختلافها، كما لا يختلف باختلاف الازمنة والامكنة.


3- انهم عبروا عن ذلك المعنى تارة بالطلب واخرى بالأمر وثالثاً بالخبر ورابعاً بصيغة الخبر.


4- ان هذا المعنى غير العلم إذ قد يخبر الانسان عما لا يعلمه، أو يعلم خلافه، وغير الارادة إذ قد يأمر الرجل بما لا يريده كالمختبر لعبده، فان مقصوده الامتحان والاختبار والاتيان بالمأمور به في الخارج.()


النقد والمناقشة


تناول السيد الخوئي هذه الخطوط التي هي خلاصة نظرية الاشاعرة في الكلام النفسي بالنقد والمناقشة.


مناقشة الاول:


ان الكلام الالهي منحصر بالكلام اللفظي، وان القرآن المنزل على النبي الاكرم (ص) هو كلامه تعالى بتمام سوره وآياته وكلماته، لا انه حاك عن كلامه، لوضوح ان ما يحكي القرآن عنه ليس من سنخ الكلام. هذا من ناحية ومن ناحية اخرى ان السبب الذي دعا الاشاعرة الى الالتزام بالكلام النفسي هو تخيل ان التكلم من صفاته الذاتية، ولكن هذا الخيال باطل جداً لأن التكلم من الصفات الفعلية لا من الصفات الذاتية، لأن الصفات الذاتية تمتاز عن الصفات الفعلية في كونها عين ذاته تعالى فيستحيل اتصاف ذاته بعدمها بأن لا يكون ذاته في مرتبة ذاته عالماً ولا قادراً ولا حياً، وهذا بخلاف الصفات الفعلية حيث انها افعاله الاختيارية فتنفك عن ذاته، وتتصف ذاته بعدمها يعني يصح ان يقال: أنه تعالى لم يكن خالقاً للارض ثم خلقها ولم يكن رازقاً لزيد مثلاً ثم رزقه وهكذا، ومن ثم تدخل عليها ادوات الشرط وما شاكلها، ولم تدخل على الصفات الذاتية. ()


وبكلمة: ان الصفات الذاتية هي التي تنتزع من مقام الذات، بينما الصفات الفعلية هي التي تنتزع من مقام الذات وطرف آخر، مثل الخالق والمخلوق، والمكلِم – بالكسر – والمكلَم – بالفتح –.


وايضاً ان الصفة الذاتية غير قابلة للنفي والاثبات بينما الصفة الفعلية قابلة للنفي والاثبات.


" وعلى ضوء هذا البيان قد ظهر ان التكلم من الصفات الفعلية دون الصفات الذاتية، وذلك لوجود ملاك الصفات الفعلية فيه، حيث يصح أن يقال أنه تعالى كلم موسى (ع) ولم يكلم غيره، او كلم في الوقت الفلاني، ولم يكلم في وقت آخر وهكذا. ولا يصح أن يقال انه تعالى ليس عالماً بالشيء الفلاني أو في الوقت الفلاني. فما ذكره الاشاعرة من ان التكلم صفة له تعالى، وكل صفة له قديم نشأ من الخلط بين الصفات الذاتية والفعلية"().


مناقشة الثانية


قال السيد الخوئي: يتوقف نقدها على تحقيق حال الجملة الخبرية والانشائية، أما الاولى – الجملة الخبرية – فقد حققنا في بحث الانشاء والاخبار ان الجملة الخبرية موضوعة للدلالة على قصد المتكلم، الحكاية والاخبار عن الثبوت، أو النفي في الواقع، هذا بناء على نظريتنا واما بناء على نظرية المشهور فلأنها موضوعة للدلالة على ثبوت النسبة في الواقع أو نفيها عنه، ومن الطبيعي ان مدلولها على ضوء كلتا النظريتين ليس من سنخ الكلام، ليقال انه كلام نفسي ضرورة .


ان الكلام النفسي عند القائلين له وان كان موجوداً نفسياً إلا ان كل موجود نفساني ليس بكلام نفسي، بل لابد أن يكون سنخ وجوده سنخ وجود الكلام، لفرض انه ليس من سنخ وجود الصفات المعروفة الموجودة في النفس. ومن المعلوم ان قصد الحكاية على رأينا، وثبوت النسبة على رأي المشهور، ليس من ذلك.


وبكلمة واضحة: اذا حللنا الجمل الخبرية تحليلاً موضوعياً وفحصنا مداليلها في اطاراتها الخاصة فلا نجد فيها سوى عدة امور: (الاول) تصور معاني مفرداتها بموادها وهيئاتها، (الثاني) تصور معاني هيئاتها التركيبية، (الثالث) تصور مفردات الجملة، (الرابع) تصور هيئاتها، (الخامس) تصور مجموع الجملة، (السادس) تصور معنى الجملة، (السابع) التصديق بمطابقتها للواقع أو بعدم مطابقتها له، (الثامن) ارادة ايجادها في الخارج، (التاسع) الشك في ذلك.


وبعد ذلك نقول ان شيئاً من هذه الامور ليس من سنخ الكلام النفسي عند القائلين به.


أما الاول فواضح، إذ الكلام النفسي عند القائلين به ليس من سنخ المعنى اولاً، وليس من سنخ المعنى المفرد ثانياً، وأما الثاني فلأن الكلام النفسي – كما ذكروه – صفة قائمة بالنفس كسائر الصفات النفسانية، ومن الطبيعي ان المعنى ليس كذلك فانه مع قطع النظر عن وجوده وتحققه في الذهن ليس قائماً بها ومع لحاظ وجوده وتحققه فيه، وان كان قائماً بها الا انه بهذا اللحاظ علم، وليس بكلام نفس على الفرض. 


وعلى ضوء هذا البيان يظهر حال جميع الامور الباقية، فان الثالث والرابع والخامس والسادس والتاسع من مقولة العلم التصوري، والسابع من مقولة العلم التصديقي، والثامن من مقولة الارادة، فالنتيجة ان الكلام النفسي بهذا الاطار الخاص عند القائلين به غير متصور في موارد الجمل الخبرية، وحينئذِ فلا يخرج عن مجرد افتراض ولقلقة لسان بلا واقع موضوعي له اصلاً. ()


وكذلك الجملة الانشائية ليس من سنخ الكلام النفسي على نظريتنا ونظرية المشهور، اما على نظرية المشهور فواضح، لأن الكلام النفسي عند الاشاعرة عبارة عن صفة قائمة بالنفس في مقابل سائر الصفات النفسانية، وقديم كغيرها من الصفات الازلية، وبطبيعة الحال ان ايجاد المعنى باللفظ فاقد لهاتين الركيزتين معاً، أما الركيزة الاولى فلأنه ليس من الامور النفسانية وأما الثانية فلفرض انه حادث بحدوث اللفظ وليس بقديم. وأما على نظريتنا فأيضاً الأمر كذلك، فان ابراز الامر الاعتباري ليس من الامور النفسانية ايضاً.


وعليه فلا يعقل في موارد الجملة الخبرية والانشائية ما يصلح ان يكون من سنخ الكلام النفسي. ()


ويضاف الى ما تقدم ان ما يتبادر من الكلام هو الحروف والاصوات لا صورة الكلام القائم بالنفس لأن الساكت لا يقال عنه متكلم وإن كان في نفسه كلام، وهذه الصورة من مقولة العلم، لا من مقولة القول وان التبادر علامة الحقيقة كما قرر في محله. ()


مناقشة الثالثة


قال السيد (قدس): فنفس اختلاف كلماتهم في تفسير الكلام النفسي، مرة بالطلب واخرى بالخبر وثالثة بالأمر ورابعة بصيغة الأمر شاهد صدق على انهم ايضاً لم يتصوروا له معنى محصلاً، إلا ان يقال ان ذلك منهم مجرد اختلاف في التعبير واللفظ والمقصود واحد ولكن ننقل الكلام الى ذلك المقصود الواحد وقد عرفت انه لا واقع موضوعي له اصلاً، ولا يخرج عن حد الفرض والخيال.()


المناقشة الرابعة


قال السيد الخوئي: فقد ظهر جوابه مما ذكرناه بصورة مفصلة انه ليس في الجمل الخبرية والانشائية شيء يصلح ان يكون كلاماً نفسياً. 


وقد اتضح من خلال هذه المناقشات والنقود بطلان نظرية الاشاعرة في الكلام النفسي وانها غير معقولة ومحض وهم وخيال.


وعليه فان كلامه تعالى هو ايجاده الالفاظ والحروف والاصوات المسموعة الدالة على معانيها المنقسمة الى الاخبار والانشاء وهو من الصفات الفعلية الحادثة.